السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالحق المبين وأيديه بالآيات البينات لتكون الحجة علي المعاندين ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حيي عن بينه وإن الله لسميع عليم واشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين واشهد أن محمد عبده ورسوله خاتم النبيين سيد ولد آدم من العالمين صلى الله عليه وعلى أصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيرا
أما بعد
إن الله تعالى أرسل الرسل مبشرين ومنذرين مبشرين بالخير والرزق والجنة لمن آمن ومنذرين من خالف بالعقاب الأليم لأن لا يكون على الناس حجة بعد الرسل ولما كان كل مدعي دعوة لا تقبل منه لا سيما في هذا الأمر العظيم دعوى الرسالة لما كان الأمر كذلك أيد الله تعالى رسله بالآيات البينات التي تدل على صدقهم وصحة رسالتهم كما قال الله عز وجل : (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْط)[الحديد:25] بالبينات أي بالآيات البينات الواضحات الدالة على صدق رسالتهم عليهم الصلاة والسلام وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما من الأنبياء نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله من آمن عليه البشر وإن الذي أؤتيه الكتاب ولهذا كان صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء تابعا أيدهم الله سبحانه وتعالى بالبينات لتقوم الحجة على كل معاند وليؤمن من آمن عن اقتناع وبصيره فينشرح صدره للإيمان ويطمئن له قلبه ..
ولقد كان لنبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه من هذا الآيات أعظمها وأجلها فآتاه الله تعالى آيات شرعية وآتاه الله آيات كونية أما الآيات الشرعية فأعظمها هذا القرآن العظيم في كما قال الله تعالى جواب من يطلبون آية للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[العنكبوت:51] ويقول عليه الصلاة والسلام إنما كان الذي أؤتيه وحياً أوحاه الله إلى فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة..
أيها الأخوة إنه لا يعرف مدى كون القرآن آية عظيمة إلا من فتح الله قلبه وشرح صدره وأما المعرض فإنه (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ)[المطففين:15] فالقرآن العظيم آية كبرى لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنه جاء مصدقاً لكتب الله السابقة وحاكماً عليها وناسخاً لها كما قال الله تعالى : (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً )[المائدة:48]..
كان هذا القرآن آية كبرى لرسول الله صلي الله عليه وعلي آله وسلم لأنه كان على وصف الرسالة في عمومها وشمولها وصلاحها وإصلاحها فهو كتاب عام شامل صالح لكل زمان ومكان مصلح لكل أمور الدنيا والآخرة فهو أساس الشريعة والشريعة شاهدة له كان القرآن آية كبرى للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما يشتمل عليه من الأخبار الصادقة الهادفة والقصص الحسنى المملوءة عبرة وتربية والأحكام العادلة المرضية والإصلاحات الاجتماعية والفردية وكان هذا القرآن آية كبرى في لفظه ومعناه وأثره في النفوس وآثاره في الأمة فهو آية للأمة كلها من أولها إلى آخرها كل المسلمون يتلونه اليوم كما يتلوه أول هذه الأمة لم يتغير فيه حرف لم يزد فيه حرف لم ينقص منه حرف ويمكن لهذه الأمة لآخرها أن ينهلوا من معين أحكامه وحكمه كما نهل منها الرعيل الأول قال الله عز وجل : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر:9]..
ومن آيات النبي صلى الله عليه وسلم هذه الشريعة الكاملة الكاملة في العقيدة وفي العبادات وفي الأخلاق والآداب وفي المعاملات وفي تنظيم سلوك الإنسان في ما بينه وبين ربه وفي ما بينه وبين الخلق فلو أجتمع العالم كلهم على أن يأتوا بهذه الشريعة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا قال الله عز وجل : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)[الاسراء:17] لا يمكن أن يأتوا بمثل الشريعة التي جاء بها محمد رسول الله لأنها شريعة الله وهو العليم بما يصلح خلقه الحكيم بما يشرعه له الحكيم بما يكلفهم به فإن كل ما جاء من صلاح أو إصلاح في أي نظام من النظم فإن الشريعة المحمدية الاسلامية فيها ما هو أصلح منه وأنفع للخلق وإذا كان هذا البشر لا يستطيعون أن يأتوا بمثل هذه الشريعة في صلاحها وإصلاحها وشمولها كان ذلك آية وبرهاناً على أن الشرعية التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم هي شريعة الله ..
أما الآيات الكونية الدالة على رسالته صلى الله عليه وعلى آله وسلم كثيرة جدا لا تمكن الإحاطة بها فمن الآيات الكونية الدالة على أنه رسول الله وأنه قائد الأمة للصلاح والإصلاح منها ما جبله الله عليه من مكارم الأخلاق ومعالي الآداب ومحاسن الأعمال قال ملك غسان وقد دعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام والله لقد دلني على هذا النبي الأمي أنه لا يأمر بخير إلا كان أوله أخذ به ولا ينهى عن شر إلا كان أول تارك له وإن يغلب فلا ويغلب فلا ويغلب ولا يضجر ويفي بالعهد وينجز الموعود وأشهد أنه نبي فأستدل بهذه الأخلاق العظيمة علي أنه نبي مرسل من رب العالمين جل وعلى..